Vol. 1 No. 2 (2021)

					View Vol. 1 No. 2 (2021)

 

هل الامة بحاجة لفكر عربي جديد ؟؟؟   د. خضير المرشدي   إبتداءً أود أن أحيّيي الأحرار من مفكري الامة وعلمائها ومثقفيها وشبابها أعضاء المعهد العالمي للتجديد العربي ، ومن خارجه، بمناسبة الذكرى الثانية لتأسيسه ، كما وأحيي وأشكر الاخوات والاخوة الافاضل الذين سيقدمون مداخلات هامة في هذه الحلقة الفكرية بجزئيها الأول والثاني لهذا اليوم ويوم غدٍ الاحد ، كما ويسرني أن أشكر الحضور الكريم والمتميز من اعضاء المعهد وضيوفه .   الاخوات والاخوة … ان هذا المعهد منذ تأسيسه في مثل هذه الايام عام ٢٠١٩، قرر أن يبدأ بداية هادئة رصينة منفتحة دون عقد وقيود ومواقف مسبقة، بعيدة عن الاصطفافات الحزبية والسياسية والحكومية لصالح جهة ما أو ضدّها، يسير بتأنٍ وتدبّرٍ وحكمة، حريصاً على استقلاليته الفكرية والمادية والمعنوية، محافظاً على هدوئه، صبوراً على مايعترض مسيرته من مطبّات وتخرصّات ومعرقلات ومحاولات استهداف وفوضى، قد لايكون السبب في حدوثها شخص لذاته او مجموعة بعينها، إنما هي نتاج تراكم تاريخي واجتماعي ممتد لعقود بل وقرون طويلة، ترسخ عبر الزمن في عقول الكثيرين من أبناء أمتنا حتى اصبح يشكل منظومة نفسية ممنهجة للتخريب وإحباط وإجهاض كل فكرة حرة اصيلة، وكل عمل مبدع خلاّق، لهذا فإن المعهد وفق منهجه ورؤيته الاستراتيجية، ومضامين نظامه الاساسي ومباديء ميثاقه الفكري، وإستناداً لمنظومة قيمه الأخلاقية، وإصرار الثابتين من مؤسسيه، وتكاتف المبدعين من أعضائه، قادرٌ على مواجهتها ومعالجة آثارها في الزمان والمكان، إنطلاقاً من قناعته بمبدأ (( إن الابداع لن يتأتّى إلاّ من عقول نظيفة يملؤها الايمان المتأتي من المعاناة، ونفوس عظيمة ملؤها الثقة والمحبة والمودة والصراحة والاحترام )) .   الحضور الكريم : لايمكن لمشروع التجديد العربي أن يشق طريقه وسط الظلام مالم يفك القيود ويحطّم السلاسل ويتجاوز الخطوط الحمراء الموضوعة ( عبثاً ) عبر الزمن ، ويراجع الثوابت لفرز ما هو سلبي منها، بجرأة وشجاعة، ويناقش حالات القداسة التي أُسقطت على الارض ( قسراً ) وهي ملك للسماء، لتشمل الحجر والشجر والحيوان قبل الانسان ، حتى بات العقل الإنساني محاصراً ومحاطاً بهذه الحلقات المغلقة ، وحائراً بين ماهو حق وما هو باطل، وبين ما يستحق التقديس حقاً وبين ماهو مدنس . ان تعطيل العقل وتكّبيل الفكر هو غاية الظلاميين ودعاة الخطاب الاصولي بكافة انواعه ومصادره، وفي كل حين .   ولطالما ان التجديد العربي مشروع طويل الأمد، ولكونه حاجة إنسانية دائمة ورسالة مستقبلية مستحقة، وضرورة عربية ملحّة، فإنه لم ولن يكون، وينبغي أن لايكون ردة فعل ضد موقف محدد، ولم ولن يكون بديلاً عن تيار او حركة أو حزب أو منافساً لأي منهم، بل اختط لنفسه منهجاً حراً مستقلاً في التفكير والابداع والتمويل دون الإعتماد على دولة او حزب او تيار في مشرق الكرة الارضية ومغربها . إنه المشروع الذي بدأ غنياً بفكرته الأصيلة وبالشخصيات العربية الفكرية الفذة التي انخرطت في صفوفه متبرعة لتمكينه بمالها وجهدها ووقتها، ومتطوعة بفكرها وثقافتها وعلومها وبحوثها ودراساتها، ومعززة لمكانته الاعتبارية بتاريخها الشخصي والمهني المشرّف .   إن فكرة تأسيس المعهد جاءت تلبية لمبررات تاريخية واستحقاقات معاصرة وحاجات مستقبلية، كانت ولازالت تمثل تحديات مهمة تستلزم الاستجابة والشروع بمثل هذه الحركة الفكرية والثقافية لمواجهتها والتصدي لتداعياتها، إنطلاقاً من حقيقة ان تجديد منظومات الفكر وتوحيد الخطاب الثقافي العربي هما الاساس لكل تجديد، ومنطلق لكل تنمية، وقاعدة لكل تقدم وتطور ونهضة . فالمعهد منذ انطلاقته قد وضع المنطلقات النظرية والوسائل العملية ليكون مدرسة فكرية عربية حديثة تشع بنورها على كل ارجاء الوطن العربي الكبير وفق رؤية ستراتيجية لبناء فكر عربي يستلهم قيم الحضارة ويستوعب مشاكل الحاضر ويواكب التطور العالمي في المجالات كافة العلمية منها والتقنية، ويقوم على اركان اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي ونظرية المعرفة وسلطة العقل واحكام المنطق في تفسير وتحليل ظواهر الطبيعة والكون والخلق والانسان . مستمداً فكرته الملهمة من إيمانه المطلق بمصلحة الامة العربية العليا وطموحها في بناء مجتمع المعرفة والمواطنة العربية، وفي صنع مستقبل يشكّل الارتقاء الحضاري والمدنية الحديثة ووحدة إرادات فئات الشعب عنوانه الأساسي . وتمثّل العروبة بمفهومها كفكرة جامعة وهوية وثقافة وتاريخاً ورسالة ومرجعية، مصدر منطلقاته وأهدافه. مستنداً لحقيقة إن الايمان بفكرة معينة، والاخلاص لها، والتضحية لأجل تحقيقها، هدفه ليس البحث عن جاه او مكسب او منصب او غنيمة ، إنما هو حالة نضالية فريدة، وموقف وطني وعروبي وإنساني رفيع لم ولن يفهم معناه، ولن يقدّر قيمته، الا الانسان المناضل العفوي البريء بعفويته، المتصالح مع ذاته، المتسامح مع الآخر، المفكر المتجذر بأصالة فكره، والمثقف الصادق الشجاع الناطق بالحق والمدافع عنه كيما ينتصر هذا الحق . لعلّ هذا هو قدر المصلحين والمجددين والمفكرين والانبياء في كل حقب التاريخ وجميع مراحل الزمن .   الأخوات والاخوة الكرام أزماتنا نحن العرب كبيرة ومتعددة ولا نكاد نخرج من احداها الاّ ودخلنا في الثانية، لتلد ثالثة أخرى أكثر مرارة وشؤماً وتعقيداً رغم ذلك، لازلنا نعتقد ان الحل يكمن بإهمال الازمة وكبتها وغض النظر عنها أو بترحيلها لأجل غير مسمى !!! مما يجعلها مزمنة مستعصية على الحل، بخلاف ما تلجأ إليه الامم الحرة التي نجحت وتقدمت حينما تصدّت لمشاكلها وأزماتها بالنقد العلمي الجريء والبحث المنهجي العميق لمنظوماتها الفكرية، وراجعت بعبقرية ملفتة ملفات تاريخها وتراثها أفرزت منه مايفيد عملية تجددّها وتقدمها، وطمرت منه أفكاراً ويقينيّات وثوابت ومباديء واحداث، حينما وجدتها معيقة لتجددّها، معطلة ومشوّشة لعقل شبابها، معاكسة لمنطق حكمائها وخبرائها، مسيئة لحاضرها ومستقبلها، ومانعة لنهضتها وتقدمها. هكذا دخلت عدد من الامم والدول عصر العلم والتقنية والثقافة والفكر، وساهمت في بناء المدنية الحديثة وأصبحت جزءاً منها، دون أن تتنكر للإيجابي من قيمها والمشرق والمشّرف من تراثها، والمميّز من خصوصيتها الوطنية … لقد كسرت هذه الامم أغلال وقيود ، وغادرت منهجيات قديمة من الكبت المعنوي والقمع الفكري والردع الثقافي والتجهيل والإفقار والإفساد المادي والمعنوي والعلمي والمعرفي، هي ذات المنهجيات التي يجري تنفيذها الآن في معظم دولنا العربية وفق مخطط تقوده مرجعيات متخذة من الدين والطائفة والإثنيات العنصرية والاقليات والشعارات السياسية والقوالب الايديولوجية مرتكزاً لها، ومن الدعم الخارجي غطاءً وسنداً لتحقيق اهدافها كي يبقى المجتمع العربي في أجواء ما انتجته القرون الوسطى من التاريخ بكل مايحمل من مآسي وفتن لازالت آثارها وتداعياتها تفعل فعلها حتى اليوم وتمارس على مستوى الافراد والجماعات وادارة الدولة . هذه المرجعيات تعتبر مجرد مناقشة هذه المنهجيات ونقدها او ابداء الرأي فيها يمثل نوعاً من الكفر والالحاد !!! وبهذا فإن من مشاكل الفكر العربي إنه لم يتخلص من تلك الرواسب والشوائب والنزعات والاختراقات التي لازمته وعرضته لعديد من النكسات، حيث طغت الشعارات والخطابات والاصولية والدعوات المتشنجة التي تدعي إمتلاك الحقيقة المطلقة لوحدها، على ماسواها من نتاجات العقل وأحكام المنطق، وفشلت محاولات إصلاح وتجديد عديدة، حتى باتت حالة التردي الفكري والثقافي هي السائدة، وبدلاً من تحقيق الحلم العربي الكبير في بناء الدولة العربية الحرة التقدمية الموحدة، أصبح الفرد العربي يخشى حالة التفكك والتفتت على مستوى الدولة والمجتمع، وما يستتبعها من تخلف وتناحر وصراع وقتال عنيف، حتى صارت المحافظة على وحدتها هي الحلم والهدف والغاية .   وهنا يبرز السؤال الكبير، من المسؤول عن ما وصلت إليه الامة من حالة التردي والتراجع والانحطاط ؟ بجوابي على هذا السؤال لن أتطرق الى دور الاشخاص من حكام ومحكومين وأحزاب وحركات … رغم اهمية كل منهم في رفعة الامة او نكوصها !!!   الإجابة تقتضي طرح سؤالاً آخر ذلك هو : الا ينبغي على المنظومات الفكرية العربية، والخطابات الاصولية ( الماركسية والقومية والدينية والليبرالية والحداثوية ) ان تدفع ثمن هذا التردي وهذه الانتكاسات ؟؟   الا يجب أن تخضع هذه المنظومات، للنقد العلمي الجريء والشجاع، ومساءلتها عن قصورها في حل الازمات الداخلية المتعلقة بتحقيق التنمية، وتعطيلها للعقل العربي وكبته وقمعه، وعجزها عن مواجهة التحديات الخارجية التي اخذت صيغاً متباينة ليس أخطرها الاحتلال بل أهمها مصادرة امكانات الامة المادية والبشرية والمعنوية، ونسف منظومة قيمها الأخلاقية واستبدالها بمنظومة قيم غريبة وهجينة بعيدة عن ظروف نشأتها وكينونتها كأمة ؟؟ الأمر الذي يدعو المفكرين والعلماء والمثقفين لأن يكونوا ( أنبياء ) هذه الامة بحق، ليتآلفوا ويتكاتفوا بإخلاص وتطوّع عن طيب خاطر وبإيمان حقيقي وتجرّدٍ تام لتجديد هذه المنظومات الفكرية المتآكلة والمتناثرة على اكثر من عشرين نظاماً عربياً، يتناولونها بالبحث والدراسة والنقد واستخلاص ماهو مفيد منها في عملية بناء مشروع المستقبل العربي، وطمر المتخلف من افكارها وقوانينها وقيودها وخطاباتها المستلبة للعقل والروح والجسد … أقول هذا، وأنا مؤمن إن العروبة بمفهومها الانساني الشامل، هي من يمنحنا القدرة على القيام بمثل هذا المنجز الحضاري العظيم .   لذا فإن الهدف الذي يسعى المعهد لتحقيقه، هو هدف نبيل وشريف ومجيد إستمد مشروعيته من فكرة العروبة المؤمنة، وخطّ رؤيته الاستراتيجية من حاجة الامة لفكر عربي عصري متجدد مواكب للتطورات الهائلة في العالم، بعدما استهلكتها الشعارات والخطابات الأيديولوجية المتحجرة .   لن أتردد في القول، كأحد أبناء هذه الامة ممن يعتزون بإنتمائهم لعروبتهم الانسانية المؤمنة، أن أمتنا اليوم بحاجة لفكر عربي جديد يحقق التوافق بين الارادات المشتركة لفئات الشعب وإثنياته في الوطن العربي، ويضمن مصالحها ويحدد واجباتها الوطنية، ويتناول القضايا القابلة للتحقيق ومن أهمها وحدة الفكر التي تمثل المدخل الحقيقي والآمن والسليم لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي تسبق تحقيق أي نوع من أنواع الوحدة أو آليات تحققها في اطار من التعددية والخصوصية الوطنية، عندما يتوحد الفكر وهذا ليس مستحيلاً، وحينما تزدهر الثقافة ويتكامل نسقها وهذا ليس ضرباً من الخيال ، فإنها ستشكل الفضاء النقي الذي تنشأ فيه الحضارة وتنمو فيه المدنية وتزدهر فيه الحياة ويتحقق فيه التجدد والازدهار .   فالوحدة الفكرية والثقافية العربية لاتعني الغاء الخصوصيات المشروعة والمتجذرة للمجتمع في كل دولة من الدول العربية ، ولا التنكر لتراث تلك الدول وعادات المجتمع وتقاليده ومبادئه وظروف نشأته وحتى طبيعة لهجته العامية التي ترسم ملامح هويته وجذوره . مع التركيز على اهمية التمسك بلغة الثقافة والفكر، اللغة العربية الثرية، التي لاينبغي التنازل عنها لصالح لغات أخرى بل السعي لتحديثها بما يجعلها تستوعب المتغيرات التي افرزتها الثورات الصناعية الرابعة والخامسة وما يليهما من ثورات ……   بعد خراب العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن وتونس وغيرهم، ومن قبلهما ضياع الاحواز وفلسطين واراضٍ واقاليم اخرى في مشرق الوطن العربي ومغربه ، الا ينبغي علينا ان نبني فكرنا ونبتكر منهجنا ونواكب العالم وننتقل من خطاب الايديولوجيات الى خطاب المعرفة ( الابيستمولوجية )، كي نعيد بنضالنا الفكري والعلمي والثقافي، الحياة لما تبقى من أشلاء جسد العروبة المهشّم، ولنعيد حق ضائع وكرامة مهدورة ؟؟؟ من حيث أن المنظومات الفكرية التي تحدثنا عنها قد شكّلت ولفترة طويلة المحتوى ( المريض والعاجز والمشلول) للقومية العربية، هذه القومية الانسانية التي تستحق ان يكون محتواها ( سليم معافى مبدع وخلاق )، وخطابها الفكري ينبغي ان يتصف : بدرجة عالية من الوعي بموازين القوى العالمية، وإحترام عقل الإنسان في نظرته للكون وقراءة التاريخ والاحداث وتفسير الظواهر وتحليلها.   كما وينبغي على المفكر العربي قبل الانسان البسيط ان يتمسك بواحدة من أهم القضايا التي تتوقف عليها عملية التجديد تلك هي ( كيفية تحرير الروح من الداخل ) التي ينبغي أن تسبق اي نوع آخر من التحرير . وعندما نتحدث عن تحرير الروح من داخلها فإننا لانتحدث عن أمرٍ خيالي، إنما نقصد الفعل الواقعي المبني على التأمل والبحث العلمي المتصف بالحياد والتجرّد من الانتماءات الثانوية والموضوعية وبنبل المقاصد والاستعداد العالي للتضحية، ونبذ ( الأنا ) والتطرف قولاً وفعلاً وسلوكاً .   ختاماً ، إن من أهم أركان عمل هذا المعهد وفقاً لما تم ذكره، هو بناء قدرات الشباب وتهيئة نخبة منهم قادرة على التفكير خارج الاطر المألوفة، وعلى قيادة عملية التجديد لتحقيق وبناء مشروع المستقبل العربي.   سننجح في هذا المشروع طالما إننا صادقين في مسعانا، مخلصين لأمتنا، مضحين من اجل بلوغ اهدافها، عارفين بأنها أمة حيّة لها من الامكانات البشرية والمادية والمعنوية الهائلة، ما يؤهلها لتكون في مقدمة الأمم الحرة والمتقدمة. كل عام وأنتم بخير تحياتي وتقديري
Published: 2021-07-28

المقالات