مقتضيات العدالة الانتقالية في المغرب العربي
الملخص
تهدف هذه الدراسة إلى إظهار التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشتها كل من الجزائر، المغرب، وتونس والضرورة المُلحة التي دعت كل منها إلى اللّجوء إلى العدالة الانتقالية.
وقد حاولت إبراز هذه التجارب الثلاث وإجراء مقارنة بينها للوصول إلى الإجابة على السؤال: هل يمكن استخلاص نموذجا موحدا، يكون صالحا لتجربة جديدة في منطقة المغرب العربي أو الوطن العربي، أو في مناطق أخرى؟
وقد توصلت إلى أن لكل واحدة من هذه التجارب خصوصياتها.
فالتجربة الجزائرية جاءت بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي أقّر بأن الدولة مسؤولة عن تعويض الضحايا، واستبعد المسؤولية الجزائية عن أفعال أعوانها، وأفراد الجماعات المسلحة.
فحاولت التجربة تطبيق مقولة (عقد سيئ أحسن من عدم وجود عقد).
وأما التجربة المغربية فقد لحقتها تحفظات كثيرة، بداية من عجز هيئة الإنصاف والمصالحة عن كشف مصير شخصيات بارزة كانت ضمن قوائم المفقودين، إلى استحواذ السلطة على إدارة مسار العدالة الانتقالية، وهي التي كان من المفروض أن تكون طرفا لا قاضيا، كما تم استبعاد دور المجتمع المدني رغم فاعليته الأساسية في الأحداث التي دفعت إلى هذا المسار وإرغام السلطة للذهاب إليه.
كما غاب مبدأ المحاسبة الفردية والتحقيق مع بعض المسؤولين المتورطين في الانتهاكات، وحتى أن هناك العديد منهم من بقوا في مناصبهم رغم ثبوت إدانتهم.
كما تم استبعاد الكثير من توصيات هيئة الانصاف والمصالحة.
أما بالنسبة للتجربة التونسية فإن الدراسة توصلت إلى أنها لم تكن في مستوى الأهداف التي رسمها قانون53 لسنة 2013، فقد غابت تصريحات المتهمين، واقتصر على الضحايا فقط، وهو عيب يمس بجوهر الحقيقة.
ورغم كثرة الملفات، إلا أنه تمت معالجة القليل منها فقط، وحتى مسألة التعويضات حصلت لها إشكالات عميقة، وأُقصي عدد كبير من الضحايا، وهناك حتى من استلموا تقاريرهم بعد نهاية آجال الطعون.
وقد خلصت الدراسة أن لكل واحدة من هذه التجارب الثلاث خصوصياتها، وهذا ما يستبعد استنساخ تجربة وتطبيقها على مجتمع آخر، وأن تحقيق الأمن والسلم والانتقال الديمقراطي بقواعد صلبة، أولى من تطبيق روح القانون المبنية على المحاسبة والعقاب.