المسيحية في بلدان المشرق الإسلامي بين الأمس واليوم: قراءة فى التاريخ والواقع و التحديات
الملخص
يتنزّل هذا المقال حول مسيحية المشرق العربي الإسلامي في سياق البحث في مسألة "الغيريّة" أو "الآخريّة" él´altérit، وهي مسألة على قدر كبير من الأهميّة لأسباب كثيرة منها:
1- راهنيّتها؛ فمازال "الآخر" الديني (تخصيصا لمصطلح "الآخر" l'autre الذي يعني في معناه العام: المختلف ثقافيا من حيث العرق أو اللون أو اللغة أو الدين) أو "غير المسلم" جزءا لا يتجزّأ من المشهد اليومي في المجتمعات الإسلامية شرقيّها وغربيّها، مثلما كان مكوّنا أساسيا بل وحاسما في صنع الحضارة العربية الإسلامية، وصياغة نصوصها وآليات التفكير والكتابة فيها، والفعل في هيئة الاجتماع الديني والاقتصادي والسياسي.
2- ما تطرحه على "الأنا" المسلم و"الآخر" غير المسلم من تحديّات فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة ودينيّة، ولاسيّما في ظلّ تعقّد مسالك الحوار، وعسر التعايش الذي نشهده اليوم بين طرفين تقاسما طيلة تاريخهما الأرض والثقافة والتاريخ والمصير، ومع ذلك يبقى الإقصاء المتبادل بمختلف أشكاله سيّد الموقف.
3- ما تثيره هذه القضية من أسئلة حول طبيعة الظاهرة الدينية عموما في علاقتها بما يحيط بها من الظواهر، وحول تاريخ المجتمعات العربية الإسلامية والشعوب التي احتوتها إثر حركة "الفتح" الإسلامي، وحول الآليات التي حكمت التعايش والتساكن بين المسلمين والنصارى تاريخيا، وحول طبيعة الخطاب الفقهي الذي قنّن وما يزال وضعية الآخر غير المسلم في أرض المسلمين، وحول مدى جدوى استمرار التمسك بمفاهيمه أو الدفاع عنه وعن مرجعيّاته النصية الدينية.
4- حتميّتها من وجهة نظر فلسفية وجوديّة: فالآخر غير المسلم ليس شريكا للذات العربية المسلمة في التاريخ والأرض والمصير فقط، إنما هو جزء من كينونتها بالمعنى الفلسفي، وهو صانع للعالم الذي يحيط بها، وهو ما عبّر عنه المفكر التونسي "عبد الوهاب بوحديبة" بالقول: "نحن نولد جميعا في الغيريّة، ونثبت ذاتنا في نطاق الغيريّة". فإثبات الأنا لكينونتها ووجودها في العالم لا يكون دون تفاعل جدلي مع أنوات أخرى، لتتميز الأنا عن غيرها وتستقل عن أشباهها. وهو ما ذهب إليه "سارتر" لما طرح سؤاله الوجودي: "هل أستطيع أن أوجَد دون الغير؟"، وأجاب عنه بأن الأنا هو الغير، وأن هذا الغير autrui ضروري لوجود الأنا ومعرفتها بنفسها بوصفها ذاتا حرة متعالية.