مشهد ديمومة التردي والتراجع ومعطيات التعليم العالي في الوطن العربي عام 2033

المؤلفون

  • مازن الرمضاني عربي عراقي

الملخص

غني عن القول إن منظومات البحث والتطوير العلمي في الدول العربية تختلف فيما بينها من حيث مخرجاتها. بيد أن هذا الاختلاف لا ينفي أن ثمة قاسم مشترك مهم يجمع بينها، هو إنها لم تساعد على بناء إنسان يفكر فيتساءل، ويتساءل ليحتار، ويحتار ليبحث، ويبحث لينتج ويبدع. ومن ثم لم تستطع هذه المنظومات، ولمدخلات تحكمت في حركتها من داخل مجتمعاتها، من بناء إنسان عربي مستقبلي التوجه يبدأ بالتفكير وينتهي بالأبداع، ومن ثم يكون قادرا على المشاركة الفاعلة في عملية الارتقاء الحضاري بمجتمعه إلى أفاق أرحب. وهنا لنتذكر أن الآصل في الحداثة العلمية يكمن في بلورة إستراتيجية تعمد إلى تعظيم دور التوظيف العلمي في تكوين رأس المال على الصعد المختلفة، وهذا الآصل يتناقض مع عموم الواقع العربي الراهن.

إن المعاناة الناجمة عن مخرجات الواقع المأزوم لجل منظومات البحث والتطوير العربية قد عطلت من قدراتها على أن تكون بمثابة القاطرة التي يمكن أن تقود عملية الارتقاء الحضاري في الوطن العربي، وهو الآمر الذي يستدعي تبني إجراءات حضارية حاسمة ترمي حصيلتها إلى إعادة هيكلتها على نحوٍ جديد يساعد على الارتقاء بنوعية استجابتها إلى مستوى تحديات القرن الحادي والعشرين. هذا إذا كنا نتطلع لنهوض أوطاننا وأمتنا العربية، وبناء المستقبل الأفضل من الماضي والحاضر. فتوظيف العلم توظيفا إبداعيا يمكن أن يكرر تجارب دولية عديدة ناجحة. مثالها تجارب ماليزيا وسنغافورة. فصناع القرار فيهما عندما أتخذوا قرار الارتقاء بمجتمعاتهم، فإنهم عمدوا إلى إعادة هيكلة واقعها وبضمنه منظومات البحث والتطوير الخاصة بهم. وقد نجحوا. وقد أضحت كل من هاتين الدولتين، وعلى غرار بعض سواها، من بين الدول السائرة في طريق التقدم وخلال زمان ليس طويلا، بعد أن كانتا تنتميان إلى فئة الدول بالغة التخلف.

على الرغم من تلك المدخلات المتعددة والدافعة إلى ديمومة التردي والتراجع العربي، إلا أن العلاقة الطردية الموجبة بين ديمومة التخلف الحضاري وديمومة التخلف العلمي، تتطلب أن يضحى الارتقاء بالعلم وتطبيقاته العملية في الوطن العربي من بين الأولويات الإستراتيجية العربية.

 ونفترض أن الآخذ بأربعة أنماط مهمة من السلوك العربي قد تساعد على تأمين هذا الارتقاء:

  أولها. أن يصبح الطلاق السابق بين جل صناع القرار العرب والعقول والكفاءات العربية من سمات زمان مضى.

وثانيها. التوسع الكيفي لمؤسسات التعليم العالي والتقني للارتقاء بنوعية التعليم بكافة مستوياته وطرائقه، متفاعلا مع السعي لتأمين المستلزمات المادية والعلمية لتأمين نجاح هذا الارتقاء.

 وثالثا. تبني سياسات تجمع في أن بين الحد من هجرة العقول العربية، وبين الاستفادة منها وهي خارج أوطانها، فضلا عن دفعها إلى العودة اليها، مع تأمين تلك المتطلبات الأساسية، التي تساعد على الاستفادة من قدراتهم العلمية في دعم عملية التنمية العربية المستدامة. وبهذا الصدد، لنتذكر تجربة عربية رائدة، هي تجربة العراق الرائدة في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، والتي تجسدت في قانون عودة الكفاءات، والذي افضى إلى عودة مئات منهم، في الآقل، إلى العراق، وقد كنا نحن منهم، ومن ثم مشاركتهم الفاعلة في تامين الارتقاء الحضاري للعراق، وبضمنه دعم صموده خلال سنوات الحصار (2003-1990).

رابعا، دعم البحث والتطوير العربي ماديا ومعنويا، وبضمنه تحسين ظروف عمل أعضاء هيئات التدريس.

لذا، لنتعلم من الحكمة الصينية القائلة:" لا تجعل من الزمان يركض بسرعة وبما يؤدي إلى صعوبة اللحاق به، ولا تجعله يتباطأ وعلى نحوٍ لا يضحى مفيدا لإنضاج أية سياسة." فنحن بحاجة إلى الآسراع في الخطى ولكن بعد دراسة وإستشراف.

التنزيلات

منشور

2023-03-10

إصدار

القسم

المقالات